الإسلام والفنون في آسيا المعاصرة
8 – 10 نوفمبر 2025
جامعة فرجينيا كومونولث كلية فنون التصميم في قطر | الدوحة، قطر
تحت عنوان “الإسلام والفنون في آسيا المعاصرة”، تستكشف النسخة الحادية عشرة من منتدى حمد بن خليفة في الفن الإسلامي كيف عكس الفن تجليّات الحياة في المجتمعات الإسلامية وتجاربها المُعاشة، مقدّمة سردية تتحدى تلك التي جعلت من منطقة غرب آسيا محور تركيزها الأوحد عند مقاربتها تاريخ الفن الإسلامي. من هذا المنطلق، يتناول المنتدى بالبحث كيف عبّرت الممارسات الفنية الإسلامية عن المجتمعات الثقافية وتفاعلت معها ضمن السياقات الإقليمية المختلفة، من خلال التركيز على الإنتاجات الفنية القادمة من مناطق جنوب، وجنوب شرق، وشرق آسيا، والتي لطالما أغفلتها السردية التقليدية. ولأجل هذا الغرض، يربط المنتدى بين المقاربات التاريخية والمعاصرة، مسلطًا الضوء على الروابط العضوية بين الإسلام وقارة آسيا، بينما يتعمق في استكشاف الممارسات الإيمانية المتجددة في حياة المسلمين اليومية. وعبر موضوعات مثل شبكات الفنانين، والعمران، وفنون الأداء، والذاكرة الشعبية، والهجرة، وغيرها، يسعى المنتدى إلى تفكيك السردية التقليدية القائمة على تراتبية “المركز والأطراف”، نحو نموذج تعددي قائم على مراكز ثقافية متتنوعة ومتعددة.
وفي ضوء سعينا لبلوغ هذه الغايات، تطرح العديد من التساؤلات نفسها: كيف يمكن للاهتمام بمجتمعات آسيا المسلمة المتنوعة أن يُعيد صياغة حقل دراسات الفن الإسلامي؟ وبأي السُبل يُمكن لمبادرات التعاون الفنية، سواء أكانت مؤسسية أم مستقلة، أن تتحدى المفاهيم التقليدية للفن “الإسلامي”؟ كيف ترسم شبكات الفنانين العابرة للمناطق مسارها عبر تعقيدات الهوية الدينية ضمن مشاهد سياسية متباينة؟ وما هي المنهجيات الجديدة التي قد تتجلى عند استكشافنا للفنون الإسلامية من زوايا جغرافية وثقافية متعددة في آنٍ واحد؟
نأمل، من خلال هذا المنتدى، أن نشرع ببحث هذه التساؤلات، وأن يكون هذا الحدث منصة، للأكاديميين البارزين والأصوات الواعدة على حد سواء، للمساهمة في إثراء هذا الحوار الفكري المستمر.
بناء الروابط: العمل الميداني الذي يصوغ رؤيتنا
استدعت صياغة محاور منتدى هذا العام الافتراق عن مقاربات البحث التقليدية. ولفهم التساؤل الذي نطرحه على نحو أعمق، أجرينا زيارات مطولة إلى سنغافورة وهونغ كونغ وسيول، التقينا خلالها بالباحثين، والقيّمين الفنيين، والفنانين، والمساهمين، لمناقشة أعمالهم وجهًا لوجه.
ففي سنغافورة، اجتمعنا مع قيّمين في المتحف الوطني، ومركز التراث الملايوي، ومتحف الحضارات الآسيوية، فضلاً عن لقائنا بفنانين في كلية لاسال للفنون. كانت رحلة استكشافية شملت أيضًا المشهد الثقافي المتنوع للمدينة، من أسواق الحي الصيني إلى الأحياء الإسلامية حول شارع العرب، حيث يقع مسجد السلطان. وخلال مهرجان ديوالي، عايشنا الاحتفالات النابضة بالحياة في “الهند الصغيرة”، وزرنا معبد سري فيراماكاليامان التاريخي. وقد كشفت هذه اللقاءات والمشاهدات أمامنا تعدد طبقات تاريخ سنغافورة التي باتت مركزًا للفن المعاصر، حيث تتجدد التقاليد الإسلامية باستمرار عبر تلاقحها مع الممارسات الثقافية الماليزية، والهندية، والصينية، والغرب آسيوية، في مدينة يتحدث أهلها لغات شتى، وينتمون إلى منابت عدّة.
وعندما حططنا الرحال في هونغ كونغ، شرعنا في لقاءات وحوارات معمّقة مع مؤسسات ثقافية رائدة مثل أرشيف الفن الآسيوي، وجامعة هونغ كونغ، ومتحف إم+، ومتحف هونغ كونغ بالاس، ومتحف هونغ كونغ للفنون، وألقينا نظرة فاحصة على مجموعاتهم الفنية التي تبرز التشابكات الإقليمية وحركة التبادل الثقافي العابر للحدود. وعايشنا عن كثب المشهد الحضري للمدينة، الذي يتسم بتعدد طبقاته وتناغمها، حيث تتجاور المساجد والمباني التاريخية مع الأبراج الزجاجية الشاهقة ولوحات النيون المتلألئة. وطوال هذه الرحلة، لمسنا حضور الإسلام متجذرًا في نسيج المجتمع في هونغ كونغ، وإن لم يكن ظاهرًا للعيان دائمًا، من خلال المجتمعات المسلمة قديمة الحضور، وشبكات المهاجرين، والممارسات الحياتية اليومية التي تتقاطع في أحيان، وتختلف في أخرى، عن مثيلاتها في سنغافورة.
أما زيارتنا إلى سيول فتضمنت قضاء وقت في متحف الفن الحديث والمعاصر، والمتحف الوطني الكوري، حيث اطلعنا على تفاصيل تعاونهما المرتقب مع متحف الفن الإسلامي في الدوحة لإطلاق معرض مميز في عام 2025. وفي صالة عرض بركات كونتمبوراري، تباحثنا في الدور المحوري الذي تضطلع به هذه المؤسسة بوصفها منصة لتقديم فنون غرب آسيا. كما تنقّلنا بين جنبات النسيج العمراني المتنوّع للمدينة، من تلال “هانّام دونغ” إلى شوارع “إيتايوون” النابضة بالحياة، إلى معبد بوذي وادع يقع بالقرب من “كانغنام”. وعلى النقيض مما لمسناه في سنغافورة أو هونغ كونغ، بدا الحضور الإسلامي في سيول أقل اندماجًا في مشهدها الحضري الشاسع الذي يشقه نهر هان، حيث يقف المسجد المركزي كمعلم منعزل إلى حدّ ما. بيد أن حواراتنا مع القيّمين والباحثين كشفت لنا عن تزايد أعداد العمال المهاجرين المسلمين في كوريا، وتنامي حضور التقاليد الإسلامية. قد لا يكون هذا التحول باديًا على السطح للوهلة الأولى، لكننا خرجنا بانطباع قوي مفاده أن التغيير قائم بالفعل، وأن قضايا الحضور، والانتماء، والاعتراف الثقافي بدأت تفرض نفسها على المشهد هناك شيئًا فشيئا.
لقد كشفت رحلاتنا أن التقاليد الإسلامية ليست مجرد إرث يتكيّف مع الزمان والمكان، بل نسيج حيّ يتطور باستمرار بفعل الحركة العالمية، والتعددية المُعاشة، والفن المعاصر، ويسهم في تشكيل الفضاءات والمجتمعات. وفي خضم ذلك، وجدنا أنفسنا نقف وجهًا لوجه أمام افتراضاتنا المسبقة وتحيزاتنا غير المقصودة، لنبصر في نهاية المطاف حقيقة أن تلك المناطق، التي لطالما اعتُبرت “هامشية”، هي في واقع الأمر مراكز نابضة بالحياة، تُعاد فيها صياغة المفاهيم الجغرافية والثقافية باستمرار. كما أدركنا أن الأطر الأكاديمية في منطقة شمال الأطلسي قد حصرت الفن الإسلامي غالبًا في ماضٍ ذي نطاق جغرافي ضيق، متجاهلةً بذلك حضوره العالمي الأوسع وحيويته المعاصرة. ومع ذلك، كان حضور الإسلام جليًا لا تخطئه العين في كل مراحل رحلتنا؛ فقد تجلى متجذرًا في المشاهد الحضرية، وتجمعات الفنانين، والمعارض، والأرشيفات، والشبكات الفاعلة التي تربط المحلي بالعابر للحدود. وفي سعينا لصياغة محاور المنتدى، تعمّدنا أن نعكس هذا التشابك المعقّد، وأن نقدّم رؤية أوسع وأعمق لما يمكن أن تنطوي عليه الفنون الإسلامية اليوم.